سياسةمجلة (حقك)مصر

الشيعة المصريين بين مطرقة الرفض الحكومي وسندان العزل الشعبي

سيدة شيعية: مديرة المدرسة رفضت قبول ابني لأنه شيعي

طالب شيعي: لم نتلق رد من “الداخلية” من أجل الاعتراف الرسمي بنا

“نعاني من العزل العنصري الذي يمارسه الشعب بالتواطؤ مع الحكومة

النفيس: القانون لا يمنع الشيعة من إقامة مساجد إلا أن مصر دولة لا يحكمها القانون

كتب- أسامة الرشيدي وسارة علام:

في حي الحسين بالقاهرة، وعلى مقربة من الجامع الأزهر أكبر منبر للمسلمين السنة في العالم، يوجد مسجد الأنوار، كما يطلقون عليه، أو مسجد الحاكم بأمر الله، المكان المتعارف عليه لتواجد الشيعة المصريين حيث يؤدون فيه صلاتهم، ولا يخلو الأمر من بعض الدروس الدينية والاحتفالات أحيانا، مما قد يؤدي بهم إلى المواجهة مع السلطات التي تمنع تلك الممارسات.

وسط حراسة أمنية مشددة تسللت إلى المسجد، تعرفت على حسين عبد الودود صاحب محل عطارة بالحسين الذي عبر عن غضبه من الدولة لعدم اعترافها بالشيعة رغم أن عددهم في مصر قد يصل لأكثر من مليون شخص، فقال “يجب أن يتم الاعتراف بنا وأن يرد إلينا اعتبارنا لأننا نتعرض للحصار والتضييق، فالدولة على سبيل المثال ترفض منحنا تصاريح لبناء مساجد، كما أنها منعتنا من إنشاء جمعيات أهلية شيعية”.

اتفق معه أحمد الخطاب، الذي أكد أن مطالب الشيعة لا تتخطى الاعتراف بهم، ومن ثم السماح لهم ببناء مساجد وممارسة طقوسهم والسماح لهم بإضافة شهادة ثالثة في الأذان، وهي “أشهد أن علي أمير المؤمنين”، فضلا عن مقطع آخر وهو “”حي على خير العمل”. ويؤكد الخطاب قائلا “تلك الإضافات لا يختلف عليها سني أو شيعي لكنها ضرورية حتى يصبح الأذان صحيحا وتصح صلاتنا”.

وفي جانب آخر، شدد المصري الشيعي علي أبو طالب على حق الشيعة في الاعتراف الرسمي بهم، وقال “تقدمنا بطلب إلى إدارة الشئون الدينية بوزارة الداخلية حتى يتم الإقرار بوجود الشيعة كطائفة دينية رسمية في مصر، وأن هذه الجماعة لا يشكل أفرادها أي خطر على أمن البلاد والوحدة الوطنية، إلا أن الوزارة تجاهلت هذا الطلب ولم ترد عليه حتى الآن”.

“نعاني من سوء معاملة جيراننا وزملائنا في العمل والمجتمع من حولنا باعتبارنا كافرين أو عملاء، فغالبا ما تلصق بنا الحكومة تهم الموالاة لإيران أو لحزب الله”، هذا ما أكدته فاطمة الزهراء التي ترى أن اضطهاد الشيعة ليس رسميا فحسب، فنبذهم من الأشياء النادرة التي يتفق عليها الشعب والحكومة معا، حسب قولها.

أما محمد تقي الله، تاجر الأخشاب فأكد “نحن مصريون حتى النخاع ونريد فقط أن نحصل على حقوقنا في بلدنا، فمثلما يوجد للمسلمين السنة مساجدهم ويتمتعون بالحرية التامة في أداء شعائر دينهم وللأقباط كنائسهم التي يتعبدون فيها بحرية، فمن حقنا كمصريين شيعة أن تكون لنا مساجد خاصة بنا لنمارس فيها طقوسنا بدون أي خوف أو تهديد بالقبض علينا في أي لحظة” وأضاف “الاضطهاد الشعبي أقسى من التعسف الرسمي، إذ يرفض السنة الزواج منا بل وحتى التعامل معنا، رغم أن المجتمع المصري شيعي بالأساس منذ العهد الفاطمي ويمارس العديد من الطقوس الشيعية ويحب آل البيت”.

وأشارت سيدة، طلبت عدم ذكر اسمها، إلى أن أبناءها تعرضوا للاعتقال والسجن في أعقاب القبض على خلية حزب الله بمصر، مؤكدة على أن السلطات ربطت بينهم كشيعة وبين القضية.

وقالت “نعاني نحن الشيعة المصريون من العزل العنصري الذي يمارسه الشعب بالتواطؤ مع الحكومة، وأذكر أني حين تقدمت بطلب لضم طفلي إلى إحدى المدارس القريبة منا وأخبرت الموظفة أننا شيعة رفضت الطلب، فما كان مني إلا أن أخفيت الأمر عن الجميع حتى نعيش بسلام”.

“ليس هناك أسوأ من حرمان الإنسان من حرية المعتقد والتعبير عنه”، هذا هو الظلم الأكبر الذي يتعرض له الشيعة في مصر، حسبما يري المفكر الشيعي الدكتور أحمد راسم النفيس، الذي يؤكد أنه بمجرد أن يعرف عن أحد الأشخاص أنه شيعي إلا وتبدأ المضايقات والمعاملة السيئة.

وأكمل قائلا “حتى أني أثناء إعدادي لرسالة الدكتوراه تم اعتقالي مرتين وتعرضت لضغوط حتى لا أحصل على الدرجة العلمية التي أستحقها”.

ويرفض النفيس الاتهامات التي تكيلها الحكومة للشيعة بالموالاة لحزب الله وإيران، لكنه أكد في الوقت ذاته أن جميع القوى السياسية في مصر لها درجة أو أخرى من الموالاة للخارج، موضحا أن الوهابية موالية للسعودية التي تمولها تماما كما كانت الشيوعية موالية لروسيا في الستينات من القرن الماضي. وقال “ومع ذلك فهي أكذوبة ونوع من التهم المعلبة التي يلصقها النظام الحاكم بكل من يتعرض له ولا يثني عليه”.

كما أوضح النفيس أن القانون لا يمنع الشيعة من إقامة مساجد إلا أن مصر دولة لا يحكمها القانون بل مزاج النظام وهواه، على حد تعبيره، كما اختلف مع من يرى أن الشيعة يعانون من العزل الاجتماعي وعبر عن ذلك قائلا “المجتمع المصري ليس طرفا في النزاع وليس له موقف عدائي من الشيعة”.

“السلطة في مصر تريد حصر الدين في مجرد عدد من المؤسسات الرسمية الخاضعة له، والأزهر يعيش حالة من التخبط، فتارة نسمع عن عدم قبول طلاب شيعة في الأزهر وتارة نسمع نفيا لهذا الموضوع”، هذا ما أشار إليه النفيس مؤكداً على أن حجج الأزهر في تعامله مع الشيعة سياسية في المقام الأول، على حد تعبيره.

لكن في المقابل، يري راسم النفيس أن الأزهر شهد تطورا إيجابيا يتمثل في كثرة العلماء الأزهريين الذين باتوا لا ينكرون على الشيعة مذهبهم، بالإضافة إلى اعتراف المؤسسات الدينية الرسمية بإستثناء المؤسسة الوهابية بالشيعة كمسلمين وليسوا كفارا.

وعن العلاقة بين السنة والشيعة في مصر، يشير النفيس إلى أن المجتمع بكل فئاته لا يتمتع بالصحة النفسية ومصاب بالأمراض الفكرية التي لا تمكنه من تقبل الرأي الآخر، وتجعله ينحاز مسبقا دون النظر إلى الأمور بموضوعية، حسبما قال.

ويؤكد راسم النفيس قائلا “الشيعة حركة من داخل الإسلام ومن عمق التراث وليست حركة شيوعية أو صهيونية”، ويضيف مستنكرا “من يتحدث عن وجود حركة تشيع فهو واهم، حب آل البيت والانتماء له موجود ومتجذر في المجتمع المصري، والمسلمون كانوا ومازالوا أمة واحدة”.

وعلى صعيد آخر، يري الشيخ علاء أبو العزايم رئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية وعضو مجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية في إيران وعضو دار التقريب بالقاهرة، أن الخلاف فيما بين الإثنى عشرية، أكبر فرقة شيعية في الوقت الراهن، وبين السنة لا يتجاوز 5% في الفروع والأصول، وهو الرأي الذي أيده الشيخ على جمعة، مفتي الجمهورية في إحدى الندوات التي عقدتها الطريقة العزمية.

واستنادا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم “تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي” أي أهل بيتي، يرى أبو العزايم ضرورة أن يجمع المسلم بين المذهبين لأن الذي لا يحب آل بيت رسول الله ليس ناجيا بل من الضالين.

ويضيف “علينا التوسع في طرح أفكار الشيعة عند الحديث عنهم من أجل إقناع الناس بأن فكرهم مثل فكرنا بهدف تحقيق التقريب”، مؤكدا على أن توحيد المسلمين سنة وشيعة يقضي على الخلافات الفرعية التي يتحدث عنها البعض من وقت لآخر مثل مطالبة الشيعة ببناء مساجد خاصة بهم، إذ سيصبح لكل المسلمين مسجدا واحدا دون تمييز بين سني وشيعي، “فأنا شخصيا لا أعترف بمسمى شيعة أو سنة” على حد قوله.

كما شدد على أنه “لا فرق بين شيعي وسني لأن المسلم الحقيقي هو المتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمحب لأهل البيت، فإذا فقد إحداها فقد جزءأ من إسلامه”.

ويعلل أبو العزايم مطالبته بضرورة التقرب إلى إيران، إلى أنها قوة عظمى في العالم الآن ويمكنها مساعدة العرب في حال حدوث أي اعتداءات.

________________________________

نشره اسامة الرشيدي بمجلة (حقك) يونيو 2010

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى