العالمثقافةمجلة (حقك)

الإعلان العالمي لمسؤوليات الإنسان.. الواجبات قبل الحقوق

 

ثلاث شخصيات عربية شاركت في وضع الإعلان

سلام: الإعلان يحتاج إلى اعتماد الأمم المتحدة ليصبح ضمن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان

كتب- أسامة الرشيدي:

“الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” هو دستور حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، ويعتبر أول وثيقة لحقوق وحريات الإنسان على مستوي بلدان العالم أجمع، ويحفظ الناشطون بمجال حقوق الإنسان مواده عن ظهر قلب، وتقوم المنظمات العاملة بهذا المجال بتدريسه ضمن أنشطتها التدريبية، إذ أنه لا غني عنه لأي فرد يريد التعرف والدخول إلى هذا العالم.

ولكن الحديث الدائم عن الحريات والحقوق يستدعي التساؤل حول قيود وحدود حرية الإنسان، وإذا كانت الحرية مسؤولية كما يقولون فلماذا لا يتم تقديم تعريف واضح لتلك المسؤوليات لضمان عدم الاختلاف والتباين بين الثقافات ليتم الاحتكام إليه؟

هذا ما فكر فيه مجلس “الإنتر آكشن” وقام بتحويل الفكرة إلى واقع من خلال “الإعلان العالمي لمسؤوليات الإنسان”.

تأسس مجلس الإنتر آكشن في عام 1983 كمنظمة دولية مستقلة هدفها توظيف الخبرات والطاقات والعلاقات الدولية عبر مجموعة من الساسة والخبراء الذين يسيطرون على أعلى المناصب في بلدانهم من أجل إيجاد الحلول العملية وتقديم التوصيات لكافة المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الإنسانية.

ويتكون مجلس الإنتر آكشن من أكثر من ثلاثين من رؤساء الدول والحكومات للعمل في ثلاثة مجالات ذات أولوية هي: السلم والأمن، الانتعاش الاقتصادي العالمي، المعايير الأخلاقية العالمية، ويقوم المجلس بتحديد عدد من القضايا ويقوم بتطوير مقترحات محددة للتعامل معها، وتصل هذه المقترحات إلى قادة الحكومات وصناع القرار الوطني، ورؤساء المنظمات الدولية والأفراد من أصحاب النفوذ في جميع أنحاء العالم.

قام مجلس الإنتر أكشن عام 1996 بتشكيل فريق من الخبراء رفيعي المستوى وكلفه بإعداد تقرير حول موضوع المعايير الأخلاقية، وتم تكوين فريق من سبع عشرة شخصية، يمثلون الاتجاهات الدينية الكبرى ومدارس فكرية وأكاديميات علمية من مختلف مناطق العالم؛ وكان من بين الفريق الدولي، المفكر العربي المصري الدكتور حسن حنفي، الفيلسوف المعروف باجتهاداته القيمة في الفلسفة والفكر الإسلامي.

انطلق الفريق في عمله من الاجتهادات المتوصل إليها في مجال القانون الدولي لحقوق الإنسان، بما هي خلاصات لمختلف الديانات السماوية، والمذاهب الفكرية والفلسفية الإنسانية؛ واجتمع الفريق في الفترة من 20 إلى 22 أبريل 1997 بمدينة فيينا بالنمسا، ووضع نتائج أعماله من خلال وثيقتين: الأولى عبارة عن نتائج وتوصيات بخصوص الدعوة إلى إعلان عالمي لمسؤوليات الإنسان، والثانية عبارة عن مشروع فعلي لإعلان عالمي حول مسؤوليات الإنسان يتم الإعلان عنه في الذكرى الخمسين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وتشير مقدمة الإعلان إلى ضرورة تبني إعلان عالمي لمسؤوليات الإنسان يكون متمما لإعلان الحقوق ويقويه ويساعد في الوصول لعالم أفضل.

ويهدف الإعلان إلى الوصول إلى توازن بين الحريات والمسؤوليات لأنه “إذا سعي كل شخص لزيادة الحرية إلى أقصى مدى، ولكن على حساب حريات الآخرين، فإن ذلك يؤدي إلى معاناة عدد أكبر من الناس، وإذا سعى البشر للحصول على أكبر قدر من الحرية عن طريق نهب الموارد الطبيعية للأرض، فإن ذلك يؤدي لمعاناة الأجيال القادمة” كما تقول مقدمة الإعلان التي تؤكد على أنها إذا حصل توازن بين الحقوق والمسؤوليات، فإن الحرية يتم تعزيزها ويمكن خلق عالم أفضل.

يحتوي الإعلان على 19 مادة تسبقها ديباجة تشبه إلى حد كبير ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقد تم تقسيم الإعلان إلى 5 أجزاء أساسية يضم كل منها عددا من المواد، والأجزاء الرئيسية هي: المبادئ الأساسية الإنسانية، اللاعنف واحترام الحياة، العدالة والتضامن، “الصدق والتسامح، الاحترام المتبادل والشراكة.

وتشير وثيقة الإعلان إلى أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كان يمثل الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، وبالتالي أدى ذلك إلى الحديث عن الحقوق بدلا من الالتزامات، إذ أن الفكر الغربي دائما ما ينظر إلى العلاقات الإنسانية من منظور الحقوق بدلا من الالتزامات والتأكيد على مفاهيم الحرية والانفرادية، بينما يركز الفكر الشرقي على الالتزامات ومسؤولية الفرد تجاه المجتمع بشكل أكبر من الحديث عن الحقوق.

تؤكد المادة الأولي من الإعلان على أن كل شخص عليه مسؤولية معاملة كافة الناس بطريقة إنسانية بغض النظر عن الدين أو الجنسية أو العمر أو المكانة الاجتماعية، كما تنص المادة الثالثة على أنه ليس لأي شخص أو هيئة أو دولة الحق في أن تكون قيمة على الخير أو الشر، وعلى ما يبدو فقد تنبأ واضعو الإعلان مبكرا بما قامت به الولايات المتحدة بعد ذلك بسنوات حين قامت بتصنيف الدول في محورين: “محور الخير” الذي يضم الدول المتحالفة معها و”محور الشر” ويضم الدول المعارضة للسياسة الأمريكية.

أما في الترجمة العربية للمادة الرابعة فنجد أنه تم اقتباس قول من أقوال نبي الإسلام محمد (ص) يختصر نص المادة بالكامل، إذ أن المادة الرابعة تقول بالنص “كافة الناس المفطورين على المنطق والضمير، يجب أن يقبلوا مسؤوليتهم تجاه كل فرد وتجاه الجميع، تجاه العائلات والمجتمعات وتجاه الأعراق والأمم والأديان في روحها وتضامنها: مالا تريده أن يفعل بك عليك ألا تفعله بالآخرين (أحب لأخيك ما تحب لنفسك).

وتوسع المادة السابعة من دائرة حماية الحياة إلى كافة الكائنات الحية الأخرى مثل الحيوانات والنبات والبيئة الطبيعية، وتحمل الناس جميعا مسؤولية الحفاظ على الهواء والماء والتربة لصالح الأجيال القادمة.

ويسعى الإعلان إلى التأكيد على أهمية المبادرة الشخصية المنطلقة من الفرد في المادة العاشرة التي تنص على ضرورة سعي الإنسان لتحسين واقعه وتنمية مواهبه من خلال العمل الجاد، كما تسعى المادة أيضا إلى كفالة فرص متكافئة لجميع الأفراد في التعليم والعمل، وكذلك عند الحديث عن الفقر، كما تنص المادة التاسعة على أن جميع الناس، الذين يملكون الأدوات الضرورية، عليهم مسؤولية بذل جهود جادة للتغلب على الفقر وسوء التغذية والجهل واللامساواة. وعليهم أن يدافعوا عن التنمية المستدامة في كل العالم بضمان الكرامة والحرية والأمن والعدالة لكل الناس.

أما في الجزء الخاص بالصدق والتسامح، فقد شدد الإعلان على مسؤولية كل شخص في التحدث والتصرف بصدق، وتنكر المادة على أي شخص مهما كان قويا أو ذا منصب أن يكذب، ولكن لا يأتي ذلك على حساب خصوصية الأفراد وسرية العلاقات المهنية والأسرية، إذ “لا يجبر أي شخص على التحدث بصدق لأي من كان وفي جميع الأوقات” كما يقول نص المادة حفاظا على الخصوصية.

وتتناول المادة 14 الإعلام وتؤكد على أن حرية الإعلام في إيصال الأخبار للجمهور وانتقاد المؤسسات الاجتماعية والتصرفات الحكومية هي ركيزة أساسية لأي مجتمع عادل، وفي المقابل تحمل المادة وسائل الإعلام مسئولية نشر تقارير صحيحة وصادقة وتجنب بث أي تقارير مثيرة أو تحط من أي شخص أو كرامته.

وخصص الإعلان مادته الخامسة عشر للحديث عن الأديان، إذ أن الإعلان مع إقراره لحرية الأديان إلا أنه بالمقابل وحرصا على التوازن الذي هو السبب الرئيسي لوضع هذه الوثيقة قد حمل رجال الدين مسؤولية خاصة لتجنب أي تعبير عن العنصرية والتصرفات ذات العلاقة بالتمييز تجاه الأفراد الذين ينتمون إلى معتقدات مختلفة وألا يحرضوا على الكراهية أو يقروها إذا أتت من طرف آخر، وعليهم أن يرعوا التسامح والاحترام المتبادل بين كافة الناس.

وجاء الجزء الأخير والمتعلق بالاحترام المتبادل والشراكة ليتناول العلاقة بين الرجل والمرأة والزواج وتكوين الأسرة وتربية الأبناء، إذ تنص مواده على مسؤولية الرجال والنساء على حد سواء في إظهار الاحترام والتفهم لبعضهم البعض، كما أن الزواج يتطلب، في كل تنويعاته الثقافية والدينية، الحب والإخلاص والتسامح ويجب أن يهدف إلى ضمان الأمان والدعم المتبادل؛ كذلك تحتاج العلاقة بين الآباء والأطفال إلى الحب والاحترام والتقدير والاهتمام المتبادل، ويجب ألا يستغل أي آباء أو غيرهم من البالغين الأطفال أو أن يسيئوا معاملتهم.

احتوت قائمة المشاركين في هذا الإعلان على عدد كبير من الخبراء يضمون أعضاء مجلس الإنتر آكشن ومستشارين أكاديميين وخبراء رفيعي المستوى وصحفيين.

كما حظي الإعلان بتأييد عشرات المسؤولين في دول العالم الذين يمثلون أعضاء مجلس الإنترآكشن، أبرزهم جيمي كارتر الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية ورؤساء سابقون لعدد من الدول الأوروبية، وضمت القائمة أيضا سليم الحص رئيس وزراء لبنان الأسبق، وهو العربي الوحيد في قائمة أعضاء المجلس، كما شملت قائمة المؤيدين من غير أعضاء المجلس وزير الأوقاف المصري محمود حمدي زقزوق.

هذا الإعلان ربما لا يعرفه الكثيرون وقد لا يعرفه حتى العاملين بمجال حقوق الإنسان على الإطلاق، فعندما سألنا محسن كمال نائب مدير مركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف ورئيس وحدة التدريب عن الإعلان، رد قائلا إنه لم يسمع به من قبل.

فيما أوضح المحامي “إيهاب سلام” خبير التدريب بالمجموعة المتحدة للاستشارات القانونية أن مثل هذه الاتفاقيات ما هي إلا “اجتهاد شخصي” أو اجتهاد منظمات دون أن يكون لها تأثير أو تطبيق على أرض الواقع، لأن المواثيق الدولية -كما يقول سلام- لا بد أن تكون صادرة من الأمم المتحدة أو أجهزتها المعنية، وهي القاعدة المتعارف عليها دوليا، لأن هذه الاتفاقيات والمواثيق تكون بمثابة قانون توقع عليه الدول، وبالتالي فإنه ليس من حق المنظمات الأخرى المطالبة بتطبيق أي قانون أو اتفاقية قامت بوضعها، وربما يكون ذلك هو سر عدم انتشار الإعلان وعدم معرفة الناس به.

مبادرة أممية

في إطار الحديث عن مسؤوليات الإنسان، قام برنامج “اقتدار” التابع للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة بإطلاق مبادرة (ريسب – آكت – مواطن عربي مسؤول) والتي ترتكز على تأهيل الشباب العربي وتجهيزه على أن يكون أداة للتغيير السليم والتطوير في مجتمعاته إذا تمت توعيته بشكل سليم وتزويده بالتدريب الجيد والأدوات الحديثة وصولا إلى المواطنة.

كما تهدف المبادرة في المنطقة العربية إلى تطوير مفهوم المواطنة الفعالة عند الشباب العربي، وذلك من خلال زيادة وعيهم بحقوقهم وواجباتهم ومسؤولياتهم كمواطنين، وبالتالي تمكينهم من المساهمة الفعالة في تنمية وتطوير مجتمعاتهم وأوطانهم، وتتوجه إلى الشباب العربي وتتعامل بشكل أساسي مع مبادئ المواطنة المبنية على حقوق الإنسان من زاوية المسؤوليات قبل الحقوق.

قامت المبادرة بتنظيم عدد من الدورات والأنشطة التدريبية للمدربين والشباب العرب، وقد تم وضع الإعلان العالمي لمسؤوليات الإنسان ضمن المكونات الرئيسية للمناهج التدريبية في المنهجين لتوعية الشباب العربي بالإعلان وصناعة ثقافة حقوق الإنسان مرتبطة بالمسؤوليات قبل الحقوق.

ومن جهة أخرى، يتم استخدام مواد “تدريب المدربين” في تنظيم دورات تدريب إقليمية وشبه إقليمية والمخصصة لتدريب قادة ومدربين شباب من المنظمات الحكومية وغير الحكومية العربية، على أن يقوم الحاضرون لاحقا بتدريب الشباب في المناطق والمنظمات التي ينتمون إليها.

وكان برنامج (اقتدار) قد نظم أول دورة تدريب مدربين لمبادرة ريسب أكت، بالقاهرة في الفترة من 2 إلى 8 مارس 2009، وكانت آخر هذه الدورات في شهر فبراير 2010.

___________________

نشره اسامة الرشيدي بمجلة (حقك) يونيو 2010

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى