ثقافةمجلة (حقك)مصر

“عام الحقوق” في ساقية الصاوي

 

يواجه العاملون في مجال حقوق الإنسان دائما مشكلة نقص الوعي لدى الجمهور بمصطلحات ومفاهيم حقوق الإنسان، فعلى الرغم من تعدد المظاهرات والاعتصامات والإضرابات في الفترة الأخيرة، إلا أنها مازالت خاصة بفئات قليلة بالنسبة إلى عموم الشارع المصري الذي يعاني من نقص حاد في معرفته بحقوقه وكيف يطالب بها.

نحاول هنا أن نسلط الضوء على تجربة من أبرز تجارب التوعية بحقوق الإنسان، وهي “عام الحقوق” الذي نظمته ساقية عبد المنعم الصاوي، أبرز الكيانات الثقافية في مصر عام 2007.

انتهجت ساقية الصاوي كل عام أن تتبنى فكرة معينة تكون شعارا لنشاطات العام، وبدأت بالفعل عام 2005 بعام الحكمة، وتلتها عام 2006 بعام اللغة العربية، بهدف تسليط الأضواء على خطورة تراجع مستوى اللغة العربية في مصر وسائر البلاد العربية، وأقامت الندوات الملتقيات الفكرية والدراسية وقدمت دروسًا مجانية منتظمة لتعليم قواعد اللغة العربية للمتعلمين، كما طبعت العديد من المطبوعات التي تعين على الاقتراب من اللغة التي تراجعت بشدة في بلادها. أما عام 2007 فقد بادرت الساقية إلى اختيار الحقوق لتصبح قضية العام، وأطلقت على هذا العام “عام الحقوق”.

وقال المهندس محمد الصاوي إن اختيار عام 2007 ليصبح عام الحقوق يهدف إلى إتاحة الفرصة للتعرف على كل الحقوق بشكل علمي هادئ وكيفية ممارستها وبحث أفضل السبل لحفظها وتأكيد ممارستها الحقيقية والواقعية بعيدًا عن الشعارات الجوفاء.

وقد واجه تنظيم العام عدة مشاكل مع الجهات الأمنية التي رأت في تنظيم هذا العام خطرا على الأمن العام واعتبرت أن إقامته نوعا من الدعوة إلى الثورة، ولكن تلك المعارضة لم تمنع من إقامة فعاليات العام كاملة بعد أن تأكدت الجهات الأمنية من عدم خطورة تلك الفعاليات وأنه عبارة عن أنشطة تعريفية وتثقيفية بمشاركة الخبراء بل وبعض المسؤولين والوزراء في الحكومة المصرية.

تم تقسيم العام إلى 12 شهرا، واختارت الساقية مفهوما لكل شهر ليتم عرضه والتناقش حوله بعدة طرق ووسائل مختلفة مثل الندوات والمحاضرات واللقاءات والمعارض وعروض الأفلام، ويتم تناول حق من حقوق الإنسان في كل شهر منها.

في شهر يناير، تناولت ساقية الصاوي حقوق الطفل على مدار 5 ندوات حملت عناوين (التحرش الجنسي بالأطفال- صحة الطفل الجسدية والنفسية- تربية وتعليم الطفل- حقوق الطفل في الإسلام) بالإضافة إلى معرضين فنيين عن حقوق الطفل باستخدام فنون الرسم والتصوير الزيتي والفوتوغرافيا، كما أقامت الساقية بالتعاون مع إدارة “سيلانترو كافيه” معرضا بعنوان (الأطفال في ظروف صعبة)، وقد شارك في الندوات وحلقات النقاش عدد كبير من الأطباء والباحثين والكتاب والإعلاميين الذين اتفقوا على وجود قصور شديد في تعريف حقوق الطفل ونقص أكبر في إدراك المجتمع لأهمية حصول الطفل على حقه كاملا، إلى جانب وجود ضرورة ملحة لمراجعة التشريعات والقوانين التي تمسه وتطويرها لتناسب العصر وتطوراته.

وقسم المشاركون حقوق الطفل إلى 3 أقسام هي: الصحة الجسدية- الصحة النفسية- التعليم والإعداد المهاري، وخرجوا بعدة توصيات في كل مجال منها.

وفي شهر فبراير كان الموعد مع حقوق المراهقين في عدد من الندوات والفعاليات بمشاركة أبطال فيلم “أوقات فراغ” وهيثم دبور الصحفي بجريدة المصري اليوم ومؤلف كتاب (أول مكرر) والدكتور أحمد عبد الله، أستاذ الطب النفسي.

أما في شهر مارس، وفي تقليد جديد، تناولت ساقية الصاوي حقوق الرجل والمرأة مع بعضهما، وهو منهج جديد في تناول الحقوق، كما يعتبر منهجا منطقيا لأنه يؤدي إلى التوصل لحلول، وكان أبرز من شارك في الفعاليات، السيدة منى الحديدي عميدة كلية الإعلام بجامعة 6 أكتوبر، و شوقي السيد أستاذ القانون وعضو المجلس الأعلى للصحافة، و نهاد أبو القمصان رئيس مركز حقوق المرأة، بالإضافة إلى عدد من الكتاب والإعلاميين.

وخرجت توصيات المشاركين لتؤكد على أن الصراع بين الرجل والمرأة يؤدي إلى إيذاء الطرفين في النهاية، كما أن العلاقة بين الرجل والمرأة لا تقتصر على علاقة الزواج فقط بل أصبحت تأخذ أشكالا متعددة مثل زمالة العمل، وأوصى المشاركون بضرورة وجود الاحترام المتبادل بين الطرفين للوصول إلى حلول للمشاكل التي قد تطرأ بينهما.

وانتقلت الحقوق بعد ذلك في شهر أبريل إلى الحقوق العامة لكل البشر، بعد أن تناولت حقوقا خاصة ببعض الفئات في أول 3 شهور من العام، حيث تناول الشهر الرابع حقوق المعرفة، بمشاركة كل من الإعلامية هالة حشيش رئيس قناة النيل للأخبار، ويحيى الرخاوي أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة، وماجد عثمان رئيس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، وعادل قورة عضو مجلس الشورى وعضو مجلس حقوق الإنسان.

وخرجت توصيات المشاركين لتؤكد على ضرورة تجريم حبس المعرفة عن الناس أو احتكارها بأي شكل من الأشكال ومنعها من التداول إلا في أضيق الحدود، كما اتفقوا على أن المعرفة حق للجميع على اختلاف تصنيفاتهم السنية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية.

وقسم المشاركون المعرفة إلى نوعين هما: المعلومات، والأخبار، وأكدوا على ضرورة تمتع مصادر المعرفة بأقصى درجات الحرية، ولخص المشاركون توصياتهم في عبارة واحدة هي “المعرفة حق لكل فرد في كل مكان وفي كل وقت، ولا يجوز حظر بعضها إلا حينما يمثل خطورة على المجتمع، ويكون ذلك في أضيق الحدود وفقا لمعايير يراقبها نواب الشعب”.

من خلال 4 ندوات فتحت الساقية نقاشا عميقا حول حقوق البيئة في شهر مايو بمشاركة كبار المسؤولين والعلماء ورجال الدبلوماسية والسياسة مثل ريتشارد دوني سفير أمريكا السابق بالقاهرة، وماجد جورج وزير البيئة ومصطفى كمال طلبة الخبير البيئي ورئيس المركز الدولي للبيئة والتنمية، ومسؤولين في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وعدد من الإعلاميين والخبراء، وأقيمت الندوات بالتعاون مع جهاز شؤون البيئة ومشروع دعم وتقييم القدرات الوطنية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

تناولت الندوات الأربع موضوعات (الاحتباس الحراري- تدهور الأراضي- التنوع البيولوجي- تغير المناخ)، كما ناقشت الندوات فرص العمل من خلال المحافظة على الطبيعة واستثمارات القطاع الخاص من خلال الحفاظ على البيئة، بالإضافة إلى عرض فيلم “الحقيقة المزعجة” وهو فيلم وثائقي من بطولة السيناتور “آل جور” مرشح الرئاسة الأمريكي السابق.

وأوصى المشاركون في ختام الفعاليات بضرورة التوقف فورا عن تلويث كوكب الأرض بالعمليات الصناعية غير المطابقة للشروط ووسائل المواصلات والنفايات، كما طرح المشاركون عدة نقاط للمساهمة في تقليل المخاطر المحيطة بالبيئة ومكافحة التلوث.

لم ينس منظمو العام أن في هذا العالم كائنات أخرى غير البشر ولديها حقوق مثلما للبشر حقوق، فتم تخصيص شهر يونيو لحقوق الحيوان في ندوة شاركت فيها أمنية ثروت أباظة رئيس الجمعية المصرية لحماية حقوق الحيوان ودينا عبد الرحمن الناشطة في مجال حقوق الحيوان.

وأكد المشاركون أن الرفق بالحيوان ليس بدعة أو رفاهية بل منصوص عليه في جميع الأديان، وأشاروا إلى ضرورة العمل على نشر التوعية تجاه الحيوان والبيئة وسن القوانين التي تكفل الحماية لهم.

وتحت شعار “من حقك أن تعلم وأن تعمل” خاطبت الساقية جموع الشباب من خلال تخصيص شهر يوليو لحقوق الشباب من خلال 4 ندوات تناولت موضوعات (الشباب والسينما- الشباب والسياحة- الشباب والعمل الحر- حقوق الشباب في السفر والهجرة)، واللافت أن معظم المشاركين في فعاليات هذا الشهر كانوا من المسؤولين الأجانب بالسفارات والقنصليات الأجنبية في مصر نتيجة سيطرة هاجس الهجرة على عقول الشباب المصري وعلى منظمي العام الذين رأوا ضرورة مناقشة هذا الموضوع بعمق.

وركز المشاركون في توصياتهم الختامية على حق الشباب في الحصول على العلم والمهارات التي تؤهل للعمل واعتبروه أبرز تلك الحقوق على الإطلاق، كما ساند المشاركون الشباب في حقهم في إبداء الرأي والاعتراض واتخاذ قراراته الشخصية دون ضغوط من الآخرين، وحذروا من إهدار طاقة الشباب وانطلاقاته الفكرية والإبداعية ومصادرة حقوقه.

وكانت حقوق التعبير هي محور شهر أغسطس في عام الحقوق، بمشاركة الفنان نصير شمة والفنان عادل السيوي وسهام نجم رئيس مجلس إدارة جمعية المرأة والمجتمع، وخرج المشاركون بـ16 توصية فيما يتعلق بحقوق التعبير المدون.

وفي سبتمبر كان الموعد مع “حقوق التعليم” بمشاركة هاني هلال وزير التعليم العالي وعبد الله بركات رئيس جمعة حلوان وعدد من الإعلاميين والكتاب، وقسم المشاركون حقوق التعليم إلى مجالات: البحث العلمي – التعليم الفني – حقوق التعليم العالي وخرجوا بأكثر من 20 توصية في المجالات الثلاثة.

وفي أكتوبر كان الحديث عن “الحقوق التجارية” التي تم تقسيمها إلى: حقوق المستهلك وحقوق الملكية الفكرية على الإنترنت، ليخرج المشاركون بـ12 توصية في كل مجال.

واختتم العام بحقوق الملكية الفكرية والحقوق السياسية، وكأن منظمي الحدث يريدون توصيل رسالة أن حقوق الإنسان ليست حقوقا سياسية فقط ولكنها حقوق متنوعة وعديدة، فقاموا بوضع الحقوق السياسية في الشهر الأخير من العام.

وبقراءة التوصيات التي خرج بها المشاركون على مدار العام والتي وضعتها الساقية في مجلتها، نكتشف أننا ما زلنا بحاجة إلى تلك التوصيات لسبب بسيط، وهو أنه لم يتم تطبيق إلا أقل القليل منها، مثل وضع قانون للطفل فقط، كما أن المطالبة ما زالت قاصرة على الفئات الشعبية دون استجابة من المؤسسات الحكومية، فهل يشهد المستقبل تغيرا أم ستتكرر نفس المطالبات دون جدوى؟

خلفيات

تهديد بإغلاق الساقية

في الأسبوع الأول من مارس الماضي أصدرت محافظة القاهرة قرارا غريبا ومفاجئا بإغلاق ساقية الصاوي بموجب قرار من رئيس حي غرب القاهرة برقم 3 لسنة 2010، وقد صدر القرار بناء على توصية من الإدارة العامة للحماية المدنية للحي بإغلاق ساقية الصاوي نتيجة عدم توافر اشتراطات الأمان، وهو ما يعني خسائر مادية ومعنوية ضخمة للساقية التي صارت من علامات الثقافة المصرية خلال السنوات القليلة الماضية، بالإضافة إلى الإساءة الأدبية داخل الأوساط الثقافية والفنية.

والمدهش أن الساقية لم تحصل على أي تراخيص من محافظة القاهرة وإنما حصلت فقط على ترخيص مزاولة نشاط من وزارة الثقافة تحت رقم 18770 لسنة 2009 بإقامة حفلات موسيقية وغنائية وعروض مسرحية، وكذلك ترخيص من وزارة الاتصالات برقم 2263 لسنة 2009، وترخيص ثالث من وزارة الري برقم 42 لسنة 2008 بإقامة ساقية عبد المنعم الصاوي بالتجهيزات المقامة أسفل كوبري 15 مايو بالزمالك، على أن تكون تلك التجهيزات سهلة الفك والتركيب وهي عبارة عن مسرح وكواليس وقاعة مؤتمرات، مع التزام إدارة الساقية بعدم إقامة أي منشآت دائمة أو ثابتة أو أي نشاطات تؤدي إلى التأثير على أساسات أو جسم الكوبري، في حين لم تحصل الساقية على أي تراخيص أو موافقات من محافظة القاهرة أو حي غرب التابع له حي الزمالك.

كل ذلك أثار الشكوك حول تدخل جهات أمنية لإغلاق الساقية بسبب النجاح الذي حققته والشهرة المحلية والدولية التي حصل عليها مؤسسها المهندس محمد الصاوي، ودعا موقع “دار الكتب الإلكتروني” إلى تنظيم وقفة احتجاجية اعتراضا على القرار.

ولكن إدارة ساقية الصاوي تعاملت مع الموقف بهدوء حذر وقامت بتنفيذ جميع اشتراطات الإدارة العامة للحماية المدنية لتنجح في تجاوز الأزمة ولو إلى حين، وأكد مسؤولو الساقية أن المشكلة قد تم حلها ومرت على خير، ولكن القرار الغريب يثير التساؤل حول وجود من يترصد لهذا الصرح الثقافي ويريد إغلاقه.

_____________
نشره اسامة الرشيدي بمجلة (حقك) يونيو 2010

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى