محاكم التفتيش الإعلامية
كالعادة استبق صحفيون ومذيعون التحقيقات واتهموا جماعة الإخوان المسلمين بالتورط في قتل نجل المستشار محمود السيد، عضو محكمة استئناف القاهرة، بمدينة المنصورة.
بدايات نشر الخبر حملت تضاربا كبيرا بين الصحف والمواقع الإخبارية، وأشاعت بعضها أن المستشار محمود السيد هو عضو اليمين بهيئة محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسي، في إشارة لتورط جماعة الإخوان المسلمين في تخطيط وتنفيذ الجريمة. إلا أن الجهات الأمنية سرعان ما نفت هذا الأمر، وأكدت أن المستشار ليس عضوا في أي محاكمات خاصة بجماعة الإخوان المسلمين. وأن الحادث جنائي وليس سياسيا.[2]
وإذا كان الإعلاميون اعتبروا الإخوان مسئولين عن الحادث بسبب شائعة كون المستشار محمود السيد عضو اليمين في محاكمة مرسي، فإن المعلومات التي تكشفت بعد ذلك أثبتت عدم صحة ذلك، فالمستشار كان ضمن أعضاء هيئة محاكمة أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق، واللواء حسن عبد الرحمن مدير مباحث أمن الدولة الأسبق، كما كان المستشار أحد أعضاء هيئة المحكمة التي تنحت عن نظر محاكمة المرشد العام لجماعة الإخوان محمد بديع ونائبه خيرت الشاطر و27 آخرين من قيادات الجماعة، كما برأ المستشار محمود السيد مرشد الإخوان السابق محمد مهدى عاكف، في قضية إهانة السلطة القضائية في مايو 2014. إلا أن نفي الجهات الأمنية، وكل هذه المعلومات لم تكبح جماح مذيعي برامج التوك شو الذين قرروا استغلال الحادث لأقصي حد ممكن، وتجاهل أي معطيات أخري قد تشير إلى سيناريوهات مختلفة.
فبعدما وجد الإعلاميون أن ترويج هذه المعلومة الكاذبة لم يعد يجدي بعد نفيها، اتبعوا أسلوبا آخر. وهو التركيز على أن المستشار “حسين قنديل” عضو اليمين (الحقيقي) في محاكمة مرسي يسكن بجوار منزل المستشار محمود السيد![3] وكأن هذا سببا كافيا لتورط الإخوان من وجهة نظرهم.
وروج إعلاميون آخرون سيناريو مفاده أن المستشار لم يكن المقصود بالاغتيال، وإنما المقدم “سعيد شعير” رئيس قسم العمليات بإدارة المباحث بمديرية أمن الدقهلية. وركزوا في تناولهم للحادث على مصطلح “اغتيال” لإعطائه الصبغة السياسية المطلوبة.[4] كما أدى مذيعون وصلات مطولة من السباب والشتائم ضد الإخوان، منهم يوسف الحسيني وجمال عنايت وأحمد موسي، الذي أكد أن “كل الدلائل تشير إلى أن الحادث سياسي وليس جنائيا” ولم يقل لنا موسي ما هي هذه الدلائل المزعومة.
واعتبر “وائل الإبراشي” أن الحادث دليل علي دخول الإخوان في مرحلة استهداف عائلات معارضيهم ومنهم القضاة، وعرض مقاطع فيديو لحرائق حدثت في أندية للقضاة في المحافظات باعتبارها دليلا على استهداف الإخوان للقضاة، رغم أن هذه الحوادث يتم التحقيق فيها حتى الآن ولم يتم الجزم بهوية الفاعلين.
وبعد أن سأل الإبراشي إذا كان المستشار هو المستهدف أم ضابط المباحث، وبعد أن كال جميع الاتهامات الممكنة للإخوان، قال في نهاية حديثه إنه لا يستطيع أن يسبق التحقيقات! أي أن الإبراشي جزم أن الإخوان مسئولون عن الجريمة، واقتصرت وظيفة التحقيقات فقط على إثبات من كان المستهدف بالاغتيال.
أما رانيا بدوي، المذيعة المستبعدة من قناة التحرير لتطاولها علي السفير الإثيوبي وإنهائها لمداخلته التليفونية بطريقة غير لائقة، فقد كررت هذا التصرف وأنهت المكالمة مع المستشار “رفعت السيد” رئيس محكمة جنايات القاهرة السابق، بحجة وجود خطأ فني، بعد أن طالبها بالانتظار والتريث حتى يتم التعرف على هوية قاتلي نجل المستشار محمود السيد والقبض عليهم، وهو ما لم يعجب المذيعة التي حاولت بشتى السبل إلصاق التهمة بالإخوان. وتقمصت دور المؤرخة وتحدثت عن تاريخ الجماعة مع العنف والاغتيالات.
عموما لم يعد هذا السلوك الإعلامي غريبا في ظل تجييش الإعلام لصالح حرب النظام ضد خصومه، واتهامهم بالعنف والإرهاب والارتباط بالجماعات المسلحة في سيناء دون دليل.
وإذا كان هذا السقوط الإعلامي متكررا ومفهوما في سياقه، إلا أن تورط قضاة في المسارعة باتهام أطراف معينة بالتورط في الجريمة دون دليل هو العبث بعينه. فالمفترض في عمل القاضي أنه لا يتحدث إلا بوجود أدلة موثقة وواضحة، وبعد فحصها والتأكد من صحتها والاطمئنان لها يجوز له توجيه الاتهام وإنزال العقاب المناسب بالجاني، إلا أن المستشار “أحمد الزند” تجاوز كل ذلك. وشهدنا عشرات المكالمات الهاتفية للزند في كافة البرامج المسائية تقريبا، استبق فيها نتائج التحقيقات، واعتبر الحادث سياسيا وليس جنائيا، متهما جماعة الإخوان المسلمين بالوقوف وراءه. وتجاوز ذلك إلى حد المطالبة بالثأر. وتنفيذ أحكام إعدام للإخوان علنا في الميادين العامة. وقدم الزند تفسيرا “تآمريا” فريدا من نوعه للحادث، عندما أرجع سبب الحادث إلى الرغبة في التأثير على كلمة السيسي أمام الأمم المتحدة في نيويورك الفترة المقبلة.
أخيرا: بعد أن نصب الإعلاميون محكمتهم الخاصة، وتحولوا إلى قضاة، وصاروا يحققون في القضايا ويتهمون دون دليل ويصدرون أحكام الإدانة سابقة التجهيز، وبعد أن تورط رئيس نادي القضاة في هذه الحملة الشعواء، بعد هذا كله كيف نضمن وجود أي محاكمة عادلة للمشتبه بهم الذين سيتم إلقاء القبض عليهم، إذا كان هناك إعلاميون وقضاة قد أصدروا حكمهم مسبقا منذ البداية؟!
[1] نشر في موقع الجزيرة مباشر مصر في 13 سبتمبر/ أيلول 2014.
[2] “الداخلية”: اغتيال نجل “قاضي المنصورة” لا علاقة له بقضايا مرسي أو الإخوان”، المسائية، 10 سبتمبر/ أيلول 2014.
https://www.masress.com/msaeya/138502
[3] “بعد مقتل نجل المستشار محمود السيد بالمنصورة.. قاضى فتيات 7 الصبح: تعرضت لـ3 محاولات اغتيال.. والداخلية سحبت الحراسة بعد النطق بالحكم”، الصباح، 13 سبتمبر/ أيلول 2014.
https://www.elsaba7.com/details/132908
[4] “مصادر أمنية ترجح اغتيال نجل المستشار بالخطأ بدلا من ضابط شرطة”، الأهرام، 12 سبتمبر/ أيلول 2014.
http://www.ahram.org.eg/NewsPrint/325423.aspx