سياسةمصرملحق جيل

سامي “التباع”

بعد التحاقي بالدراسة في كلية الإعلام جامعة القاهرة، وجدت زملاء لي يتحدثون بإعجاب شديد عن الدكتور “سامي عبد العزيز” رئيس قسم العلاقات العامة والإعلان في ذلك الوقت.

وعندما جاء دورنا للدراسة تحت يدي الرجل، انتظرت لرؤية أسباب الإعجاب به، فإذا بي أجد رجلا كبيرا في السن، ومع ذلك يصبغ شعره بالأسود كعادة الرئيس المخلوع مبارك ومعظم رموز نظامه ليبدو أصغر سنا، وإذا به يؤكد في كلمته الافتتاحية في المحاضرة الأولى، أنه قضى بداية حياته في بيئة “واطية” على حد تعبيره، وتوعد أي شخص يبدي أي تصرف يغضبه.

وبالفعل طبق الرجل ما وعد به، وكان أسلوبه المفضل هو الحديث لبضع دقائق، ثم يستوقف أحد الطلاب ليسأله عدة أسئلة، فإذا لم يستطع الطالب الإجابة عن أسئلته ينهال عليه الأستاذ المبجل بوصلات من “التهزيق” والردح، بالإضافة إلى سخرية مهينة من بعض الطلاب بسبب شكلهم أو وزنهم أو أصولهم الاجتماعية، وكنت أستغرب من بعض الطلاب الذين يعجبون بالرجل، ويبدون سعادة كبيرة بإهانتهم والحط من شأنهم وبعثرة كرامتهم أمام الجميع، ويستعذبون هذه الطريقة في التعليم.

زاد من عدم احترامي للرجل معرفتي أنه يشغل منصبا كبيرا في الحزب الوطني المنحل في ذلك الوقت، وأنه أحد أعمدة جهاز الدعاية القذر الذي كانت مهمته الوحيدة تضليل الشعب المصري.

قبل ثورة يناير بأشهر معدودة، كوفئ الرجل على مجهوداته وتم تعيينه عميدا لكلية الإعلام، إلا أنه بعد ثورة يناير اندلعت ضده مظاهرات طلابية عارمة تطالب بإقالته، لكنه اقتدى بسيده المخلوع وأبدى تمسكا بالمنصب “حتى آخر نفس” وقام باستدعاء قوات الشرطة العسكرية لتعتدي على الطلاب المعتصمين أمام مكتبه وتسحل الطلاب والطالبات أمام بوابات الكلية، في مشهد هو الأكثر انحطاطا في تاريخ كلية الإعلام على الإطلاق.

سارع الرجل بعدها لارتداء زي الثوار، والمضحك أنه ظهر في أحد الأفلام الوثائقية التي تتحدث عن مبارك ليحلل مظاهر طغيانه وكيف كان ديكتاتورا.

بعد الانقلاب العسكري عاد سامي عبد العزيز إلى عصره الذهبي مرة أخرى، بعدما لجأ إليه النظام الجديد في مشروع قناة السويس الجديدة، وتم تعيينه عضوا في الفريق الإعلامي لحفل افتتاح القناة. وأصبح يتحفنا بسيل من التصريحات الكوميدية حول المشروع، منها تصريحه بأن هناك دراسة “عالمية” أكدت أن الشعب المصري شعب عظيم دائما ما يتجه نحو تحقيق الطموح والآمال (لا أدري أي دراسة لها صلة بالعلم تقول مثل هذا الكلام العجيب) وأن موسوعة غينيس لن تتحمل الأرقام القياسية التي يحتوي عليها مشروع القناة! وأنهم قد يضطرون لعمل موسوعة غينيس 2 لتستوعب الأرقام القياسية التي حفل بها المشروع، ولم يكن ينقص إلا أن يقول الرجل إن الموسوعة ستنفجر من الضغط عليها.

وجاء تصريح الرجل الأخير قبل الحفل ليكون درة التاج في سلسلة تصريحاته، عندما قال إن المشككين في عمق قناة السويس الجديدة سيتم إغراقهم فيها.

ذكرتني هذه التصريحات بأسلوب “أحمد التباع” في مكالمته الشهيرة، والذي تحول إلى أشهر شخصية في مصر حاليا، رغم أن كل مؤهلاته تتمثل في مكالمة جنسية! وهي شهرة تتناسب مع العصر الحالي الذي تحول فيه أحد القضاة إلى نموذج للتباع، عندما طلب رشوة جنسية من 3 سيدات مقابل الحكم لصالحهن، وحاز رجل مثل سامي عبد العزيز شهرة كبيرة في كلية الإعلام فقط بسبب أسلوبه الفظ.

إلا أن ثمة تشابها آخر بين الرجلين، فكلمة “التباع” في أحد معانيها تعني “الشخص التابع” وهو نفسه يقوم به سامي عبد العزيز، فهو تابع لأي نظام يتغلب وتصبح له مقاليد الأمور في مصر.

___________

تم نشره بقسم ملحق جيل بموقع العربي الجديد بتاريخ    8/27/2015

الرابط الاصلي

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى